“بعد بلاك بيري، هل تجد مايكروسوفت في أندرويد طوق النجاة؟” بهذا العنوان عنونت مقالتي التفاؤلية مع بداية العام الميلادي الجاري، مُعتبرًا أن بلاك بيري BlackBerry وجدت طوق نجاتها وستسغل هذه الفرصة بكل ما تملك للحفاظ على مكانتها في سوق الهواتف الذكية.
لكن الواقع للأسف لم يكن كذلك، والشركة التي كانت تصول وتجول يومًا من الأيام في سوق الهواتف الذكية لحقت صديق الطفولة -نوكيا- إلى المصير المجهول الذي لا يُمكن لأحد توقعه باستثناء إصدار هاتف جديد بين الفترة والثانية بنظام أندرويد.
بلاك بيري أعنلت مؤخرًا أنها ستتخلى عن تصنيع الأجهزة الذكية بنفسها وأنها ستقوم بإسناد هذه المهمة إلى شركات ثانية عن طريق تراخيص تشغيل تحصل عليها الشركات الراغبة بالاستفادة من علامة بلاك بيري التجارية، أي أن بلاك بيري فشلت في تقليل الخسائر في قطاع الهواتف الذكية حتى بعد إطلاق Priv وDTEK50 العاملين بنظام أندرويد.
لكن لماذا فشلت بلاك بيري في تحويل مسار الخسائر والنجاح من جديد على الرغم من الخبرة الكبيرة التي كانت تملكها في هذا المجال؟ فهي دعمت تشغيل تطبيقات أندرويد على BBOS 10 أولًا، وانتقلت فيما بعد لاستخدام نظام أندرويد على أجهزتها على غرار شركات أُخرى مثل شاومي، هواوي، أو حتى ون بلس.
ما لم تدركه بلاك بيري -أو رُبما أدركته دون أن تتمكن من تغيير الواقع- أن سوق الهواتف الذكية العاملة بنظام أندرويد سوق قوي جدًا ويحتوي على الكثير من اللاعبين الذين أجادوا اللعبة، نعم هم دخلوها باستخدام أندرويد، لكنهم طبّقوا استراتيجياتهم الخاصة بداخلها وتمكّنوا من وضع قدم بداخل هذا السوق.
ون بلس OnePlus مثال على هذه الشركات التي جاءت قبل ثلاثة أعوام فقط ونجحت -حتى الآن- في منافسة شركات كثيرة، وهذا النجاح تقف خلفه الكثير من الأسباب أهمّها أولًا السعر؛ فالشركة لعبت على وتر تقديم جهاز بمواصفات عالية جدًا مع الحفاظ على سعره المنخفض، وهو أسلوب نجح معها.
إضافة إلى ذلك، تنبّهت ون بلس إلى تجربة استخدام أندرويد الغير مريحة بالنسبة للبعض وبالتالي لجأت أولًا لاستخدام نسخة سيانوجين مود Cyanogenmod المعدلة، ثم قامت بتطوير نسختها الخاصّة من أندرويد التي حملت اسم Oxygen OS، وبالتالي ضمنت أولًا تجربة استخدام فريدة من نوعها، وثانيًا وصول التحديثات بشكل فوري للمستخدمين، وهي مشكلة كبيرة في عالم الأجهزة الذكية العاملة بنظام أندرويد.
ولو تناولنا أي شركة ثانية غير ون بلس سنلاحظ أنها وجدت عاملًا آخرًا استغلّته لصالحها مثل توفير ابتكارات جديدة مثل الكاميرا المزدوجة أو قارئ بصمة العين، أو حتى دمج مستشعر البصمة داخل الشاشة والتخلّص من وجوده على هيئة زر منفصل، أي أن الشركات أضافت قيمة جديدة للجهاز لتتميّز عن غيرها من الأجهزة، دون تجاهل تجربة استخدام أندرويد وتخصيصه بشكل أو بآخر ليختلف عن النسخة الخام الموجودة في هواتف نيكسوس.
في حين أن بلاك بيري لم تُدرك تناقص أهمية الهواتف المزودة بلوحات مفاتيح، فأطلقت هاتف Priv كأول أجهزتها العاملة بنظام أندرويد وسوّقت له اعتمادًا على ميّزات مثل حزمة التطبيقات السحابية الخاصّة بها ولوحة المفاتيح التقليدية التي اشتهرت بها، ليفشل الهاتف في قلب الموازين أيضًا، فقلّة من المستخدمين تُفضّل استخدام لوحة مفاتيح حقيقة مثل السابق !
تمامًا مثلما قفلت على نفسها سابقًا عندما حاولت إبراز أهميّة تطبيق BBM للمحادثات الفورية على الرغم من شهرة واتس آب وسيطرته المُطلقة على هذا المجال وشهرة أجهزة آيفون وجالاكسي. وبعدما أدركت أن BBM لم يعد من المغريات أسرعت لتوفيره على أنظمة أندرويد وآي أو إس iOS، إلا أنه لم يفلح في إثبات نفسه على الرغم من أقدميّته في هذا المجال، فتطبيقات مثل واتس آب أو لاين وفايبر Viber شقّت طريقها بالفعل ووضعت BBM على رف التقاعد.
بلاك بيري انتقلت بعدها إلى DTEK50 الذي جاء بتصميم عصري مُشابه لما هو موجود في الأسواق، بميّزات جيّدة أيضًا وبسعر مقبول، لكنها لم تُغفل من جديد حزمتها السحابية وأهمّيتها ومستوى حمايتها العالي التي قد لا تنفع أمام خدمات جوجل الأكثر استخدامًا حول العالم.
والآن وبعد التوجه نحو قطاع البرمجيات فقط تحتاج بلاك بيري إلى توفير تجربة استخدام فريدة من نوعها في أندرويد إذا ما أرادت بالفعل الحفاظ على اسمها، أو يمكنها التركيز على قطاع الأعمال فقط الذي برعت فيه سابقًا، وبالتالي سيختفي اسمها من قائمة الشركات الاستهلاكية.
لكن مركبها -من وجهة نظري- سيستمر في الغرق، فبعد رمي قطاع تصنيع الهواتف الذكية -في محاولة لتخفيف سرعة الغرق- الذي لم تتعلم منه أن الصيحات القديمة لم تعد مرغوبة كثيرًا، قد يكون الدور أيضًا على قطاع البرمجيات لفئة المستهلكين إذ ما أصرّت على التسويق باستخدام مميزات مثل حزمتها السحابية وحمايتها العالية، لتبقى وحيدة مع قطاع الأعمال الذي قد يهجرها هو الآخر في ظل منافسة مايكروسوفت، وفيسبوك، وجوجل، بالإضافة إلى آبل أيضًا.
التدوينة مركب بلاك بيري BlackBerry الغارق الذي لا يُمكن إنقاذه أبدًا ! ظهرت أولاً على عالم التقنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق