هل تخيلت حياتك يومًا بدون جوجل؟ أن تستيقظ يومًا ما وتذهب لتبحث عن موضوعٍ مُعيّن على شبكة الإنترنت ولا تجد شريط بحث جوجل بنتائجه المميزة! أو تجد نفسك مُجبرًا أن تدفع رسومًا نظير الحصول على معلومات حول هذا الموضوع!
ماذا بشأن مقاطع فيديوهات اليوتيوب المجانية، هل تتخيل كيف سيكون حالك عند انقطاعها عنك؟
يبدو الأمر مزعجًا جدًا، أليس كذلك! حسنًا كان هذا هو الوضع الراهن في أستراليا منذ وقتٍ قريب بعد مشكلتها العويصة مع جوجل بشأن النشر الرقمي. ما هي هذه المشكلة وما سببها وكيف نشأت؟ كل هذا وأكثر سنسرده عليك بشكلٍ من التفصيل والإيضاح في السطور التالية، فتابع معنا…
بداية مشكلة النشر الرقمي بين أستراليا وجوجل
في الأشهر الأخيرة الماضية طرحت حكومة أستراليا مشروع قانون جديد ينظم عملية النشر الرقمي وتداول الأخبار من مصادرها على محرك بحث جوجل. هذا المشروع يقضي بدفع شركة جوجل مبالغ للناشرين الأستراليين وصُناع المحتوى من صحف ومواقع إلكترونية ومجلات، مقابل السماح لجوجل بتداول ما ينشرونه من أخبار.
فالحكومة الأسترالية ترى بأنه نظرًا لأن شركة جوجل تكتسب الكثير من العملاء والمستخدمين الذين يرغبون في قراءة الأخبار وتحقق أرباح طائلة منهم، فيجب عليها دفع مبلغ “معقول” للناشرين وصُناع المُحتوى الأستراليين مقابل عملهم الصحفي والنشر الرقمي.
ولا يقتصر هذا التشريع عند هذا الحد، بل إنه يسمح لوكالات الأخبار الأسترالية بالتفاوض مع شركة جوجل بشأن عملية النشر الرقمي والمحتوى الذي يظهر في نتائج البحث كما يلزم التشريع شركة جوجل بإخطار وكالات الأخبار بالتغييرات التي تقوم بها في الخوارزميات.
أما بشأن عواقب عدم إلتزام جوجل بهذا التشريع فإنها ستدفع غرامات قد تصل إلى 10 ملايين دولار أسترالي “ما يُعادل 5 ملايين جنيه إسترليني، و7 ملايين دولار” لكل مخالفة، أو 10% من حجم التداول المحلي لشركة جوجل.
ومن هنا كانت المُشكلة!
رد جوجل الساحق والتهديد بسحب خدماتها من أستراليا
علّقت جوجل بشكلٍ من التهديد الصريح إلى أنها قد تضطر إلى سحب خدماتها في أستراليا وقطع عملية النشر الرقمي في خطاب مفتوح للمستخدمين في 17 أغسطس من العام الماضي، وقالت إن “بنود مشروع القانون ستمنح وكالات الإعلام الكبيرة سلطة خاصة، فيما ستفرض عليها مطالب غير معقولة”، كأن تقوم شركة جوجل بتسليم بيانات المستخدمين إلى وكالات الأخبار الكبيرة إلى جانب أنها ستكون قادرة بطريقة ما على التحكم فى الخوارزميات الخاصة بجوجل.
ما يعني صعوبة في جعل خدمتي البحث ويوتيوب مجانيتين”، وأكدت على أن “خدماتها المجانية ستكون في خطر”.
حيث أوضحت العضو المنتدبة لعمليات “جوجل” في أستراليا، ميل سيلفا، قائلةً: “أن القانون الذي تسعى أستراليا لفرضه لإجبار شركة جوجل على الدفع للناشرين الأستراليين والمنصات الإخبارية مقابل محتواها أو مواجهة غرامات، غير عملي بالمرة وأن الشركة غير قادرة على مواجهة المخاطر المالية.”
وبالتالي فإن سحب خدمات جوجل من أستراليا هو الخيار العقلاني الوحيد، إذا تم العمل بهذا القانون.
مستقبل الصحافة بعد توقف النشر الرقمي وسحب خدمات جوجل من أستراليا
تتمتيز أستراليا بامتلاكها صناعة إخبارية نابضة بالحياة – حيث يوجد بها العديد من الوكالات الإعلامية العملاقة مثل وكالة “فوكس نيوز” المملوكة لرجل الأعمال روبرت مردوخ، والتي تستفيد من منافذ البيع الخاصة بها، وكذلك المحطات العامة مثل ABC News في أستراليا. ولكن من المتوقع أن تهبط أسهم وأرباح هذه الوكالات بعد غياب عملاق البحث جوجل من على شبكة الإنترنت!
كما ستتضرر الصحف المحلية التي أصبحت موجودة على الإنترنت فقط في أواخر العام الماضي بعد توقف الإعلانات – حيث تم وقف النشر الورقي لأكثر من 125 صحيفة إقليمية مملوكة لشركة “نيوز كورب” مؤخرا بسبب خسائرها مع اختفاء المعلنيين.
ليس هذا فحسب بل إن التغييرات المقترحة في القانون بشأن النشر الرقمي ستساهم في انتشار المعلومات المضللة، وسيصبح من الصعب العثور على الأخبار من مصادر موثوقة.
ولكن؛ ما الذي أجبر جوجل على الدفع للناشرين في الاتحاد الأوروبي؟
في 26 من مارس 2019، وافق الاتحاد الأوروبي على تعديل قانون حماية حقوق الملكية الفكرية في النشر الرقمي عبر الإنترنت، بعد أن أثار جدلًا شديدًا بين مؤيدين ومعارضين في الدول الأوروبية.
حيث ينص التعديل على أن تتأكد المنصات الإلكترونية من عدم انتهاك المحتوى المنشور فيها لحقوق الملكية الفكرية، مع إجبار الشركات الكبرى مثل “جوجل” على الدفع مقابل عرضها لروابط من صحف ومؤسسات إعلامية في نتائج البحث الخاصة بها.
وكان من نتائج هذا التعديل أن وقّعت “جوجل” اتفاق إطار مع الاتحاد الصحفي الفرنسي لدفع مبالغ مالية للصحف الفرنسية مقابل استخدام محتوياتها، عملاً بالقانون الأوروبي حول ما اصطُلح على تسميته “الحقوق المجاورة” في عملية النشر الرقمي.
أفادت الحكومة الأسترالية بأن مسودة التشريع الخاصة بقانون النشر الرقمي لجوجل سيتم تعديلها لتهدئة بعض مخاوف جوجل، ولكنها ستبقى دون تغيير جوهري.
ومن جانب آخر فقد أعلنت جوجل استعدادها للتفاوض مع الناشرين بشأن دفع رسوم الترخيص للمحتوى، لكنها رأت أن القانون الأسترالي المقترح يتمادى بعض الشيء، حيث سيلزمها بالدفع ليس فقط عند تقديم معاينات شاملة لمحتوى الوسائط، ولكن أيضا عند مشاركة الروابط إلى المحتوى وهو ما اعتبرته “جوجل” أن من شأنه أن يؤثر على طريقة عمل محركات البحث.
وعلى طاولة المفاوضات، أفادت اللجنة الأسترالية للمنافسة والمستهلكين ACCC أن جوجل لن تكون مطالبة بفرض رسوم على الأستراليين مقابل استخدام خدماتها المجانية، مثل محرك البحث ومنصة يوتيوب، إلا إذا اختارت القيام بذلك.
إلا أن جوجل تُفضل الدفع للناشرين – على وجه التحديد – مقابل المحتوى ضمن Google News، وأعلنت في شهر يونيو من العام الماضي عن برنامج للدفع للناشرين في أستراليا.
وحتى هذه اللحظة ما زالت المفاوضات قائمة بشأن الوصول إلى أنسب قرار يُرضي الطرفين.
وضع النشر الرقمي والمحتوى العربي
يعاني المحتوى الرقمي في عالمنا العربي من الافتقار والنقص الشديد وقلة عدد الناشرين الرقميين.
ويرجع هذا للعديد من الأسباب، والتي يمكن تلخيصها في بعض النقاط مثل: فقدان الدافع بشأن النشر الرقمي، فأغلب الناشرين يركزون على النشر بمقابل مادي لأحد الصحف أو المنصات الإلكترونية والتي بدورها تعتمد على تحقيق الأرباح من الإعلانات.
الأمر الذي يأخذنا لنقطةٍ أخرى ألا وهي غياب المنافسة الشريفة وضياع حقوق الملكية الفكرية وعدم تقديم محتوى ذو قيمة يخدم المحتوى العربي. بالإضافة إلى ندرة المصادر العربية على شبكة الإنترنت وقلة ثقافة الناشرين باللغات والمصادر الأجنبية.
ولهذا فإن أكثر ما نحتاجه في وقتنا الحالي، هو تضافر الجهود والشراكات بين المنصات الإلكترونية العربية الرائدة بهدف تحفيز وتشجيع الناشرين والمدونين العرب على تقديم محتوى عربي قيّم ينافس المحتوى الأجنبي تحت هدف “إعادة كتابة العلوم والمعارف بهوية عربية”.
المصادر:
اللجنة الأسترالية للمنافسة والمستهلكين
التدوينة خبايا وأسرار مشكلة النشر الرقمي في أستراليا وخلافها الدائر مع جوجل ظهرت أولاً على عالم التقنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق