قصتي مع المقاطع الكاذبة…
حين كنت أدرس في الجامعة كانت تبادل مقاطع اليوتيوب المضحكة من الأمور المنتشرة بين الشباب، وكم كان من المتعب نقل هذه المقاطع الكبيرة التي يصل حجمها إلى 1 ميجابايت، كان الأمر يستغرق وقتا طويلاً. أما عن أسباب تبادل المقاطع في تلك الفترة فهي أشبه بوضعنا مع رسائل الواتساب في الوقت الحالي.
كان الكثير مما يتم تبادله إما مضحكاً أو مفجعاً، ولكني أذكر أحد المقاطع الشهيرة التي انتشرت بين الشباب لروعته. ففي هذا المقطع الصغير قرر أحدهم أن يختبئ داخل أحد صناديق البريد الكبيرة، وفي كل مرة يحاول فيها شخص وضع الرسائل داخل الصندوق كان يقوم هذا الشخص برميها إلى الخارج عبر الفتحة الصغيرة، وكانت الناس تتفاجأ في البداية ثم تكتشف السبب وتضحك. ولكن بعد قليل من الضحك يقترب شخص تبدو عليه ملامح الجلافة من الصندوق وبيده بعض الظروف البريدية، ويضعها داخل الصندوق، وحين يقوم هذا الشخص برميها من الفتحة الصغيرة يستغرب هذا الشخص وينظر من خلال الفتحة قليلاً، ثم تفاجأ به يخرج مسدساً من جانبه ويفرغ بضع رصاصات في الصندوق ثم يضع الرسائل في الصندوق ويمضي في حال سبيله، ونرى وقتها أن الحركة داخل الصندوق قد توقفت عن الحركة لأن الممثل الذي بداخل الصندوق قد مات، ثم تسود الشاشة وتظهر صورة صغيرة للممثل الذي مات نتيجة هذا المقلب.
اشتهر هذا المقطع باسم “الكاميرا الخفية الروسية” وقد بدا هذا الاسم مقنعاً لأنه يتماشى مع التصور بأن الروس لا يفهمون الدعابة ويميلون إلى حل كل شيء بالقتال والعنف.
لا أذكر كم مرة حكيت روعتي مما شاهدت في ذلك المقطع. ألم يفكر ذلك الشخص في أن الأمر مزحة؟ ولماذا يحمل معه مسدساً ويريد إرسال البريد؟ وأين أصدقاء الممثل الذين كانوا يصورون المقطع؟ لماذا لم يتدخلوا لإيقاف هذه المصيبة؟ جميع هذه الأسئلة كانت مطروحة، وكنا وقتها نحاول الخروج ببعض التفسيرات، وشعرنا بالحزن على الممثل المقتول ومضت الحياة.
فجأة وبدون مقدمات وبينما أقود سيارتي في طريقي إلى العمل، عادت بيا الذكريات وتذكرت المشهد المريع من أيام الجامعة، لكن بدل التذكر والتجاهل توقفت لأحلل المقطع قليلاً وتفسير ماشاهدته بشكل منطقي. وكررت نفس الأسئلة السابقة، المسدس؟ الكاميرا؟ أين أصدقائه؟
حين وصلت مكتبي قررت أن أبدأ البحث عن هذا المقطع، وفي نفس الوقت كان علي أن أتحقق إذا كان حقيقياً أم لا؟
فتحت جوجل وبدأت في ادخال كلمات مختلفة مثل “كاميرا خفية روسية مسدس” وخليط من هذا وذاك (بالانجليزية طبعاً) وبعد التنقل بين الروابط، عثرت على مقالة تتحدث عن هذا المقطع، ولكن اتضح لي أن المقطع هو جزء مقتطع من اعلان لشركة طباعة في الأرجنتين، وتم انتاجه في عام 2000، أي قبل دخول للجامعة. لكن يبدو أن النسخة التي وصلتنا حين كنا طلبة كانت معدلة، لأن الاعلان الحقيقي يظهر اسم الشركة مع جملة تسويقية، بدل صورة الممثل وتاريخ الوفاة.
لقد كنت مصدقاً لهذه الكذبة البسيطة لأكثر من عقد…
أما اليوم فنحن نعيش ألف كذبة في اليوم، نشاهد المقاطع على يوتيوب وتويتر، وتصلنا الكثير منها عبر واتساب، ولأننا لا نملك الوقت الكافي لتفنيد كل مايصلنا بشكل يومي، فنحن نحاول الخروج بحكم سريع، وستفاجئ من كمية الناس الذين صدقوا مقاطع كاذبة.
لكني لاحظت مؤخراً أن الوعي بدأ ينتشر بين الناس، وأصبح لديهم حس “بوليسي” حين تصلهم المقاطع، وكم أسعد حين أرى الأشخاص الذين يكذبون أو ينفون صحة بعض المقاطع المنتشرة، وهناك حسابات كثيرة على تويتر تقوم بهذه الخدمة، ولكن للأسف في الكثير من الأحيان يعلو صوت الجماهير فوق صوت المنطق.
لو كانت هناك مهارة نحن بحاجة إلى تعليمها لأغلب مستخدمي الانترنت فهي “عدم التسرع” و “فهم السياق” فهذه الأمور تعتبر مهمة لتفادي الوقوع في فخ الكذب والأخبار المزيفة لأنها تعتمد على هاذين العاملين، فالكثير من المقاطع الشهيرة تأتي مجتزأة، ناقصة، وبدون أي سياق وتأتي بنص مبهم يصف مايحدث ولاتدري هل تصدق هذا الكلام أم لا؟
في المرة القادمة التي يصلك فيها مقطع أو صورة مبهمة مع نص ركيك، فكر قليلاً، هل بالإمكان استبدال النص المرفق أو الوصف، بوصف أخر وسيكون مناسباً أيضاً؟ لو كانت الإجابة نعم، حاول أن تبحث في جوجل عن الخبر أكثر قبل أن تقوم بتخزينه في ذاكرتك، لتكتشف بعد مرور أكثر من عقد أنك كنت ضحية كذبة سخيفة، وبعض الكذب قد تبنى عليه قناعات تتسبب في مآسي، والله الحافظ.
التدوينة الكذبة التي عاشت أكثر من عقد ظهرت أولاً على عالم التقنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق