قمت بشراء لعبة مورتال كومبات الجديدة قبل عدة أيام، وكوني لست صغيراً ولا أملك الكثير من الوقت لتعلم كل الأساليب وطرق القتال فقد حاولت التعلم “بالمشاهدة” عبر يوتيوب، وأصبحت أبحث عن بطولات القتال المختلفة مثل CEO أو EVO والتي استضافت مباريات لهذه اللعبة وأصبحت أقضي أوقات الفراغ أو الانتظار في مشاهدة هذه المقاطع وأحلم باليوم الذي سيكون مستواي مثل هؤلاء الأشخاص.
فور مشاهدتي لبعض المقاطع، تنبهت خوارزميات يوتيوب لاهتمامي، وأصبحت صفحتي الرئيسية مليئة بمقاطع مورتال كومبات، وهو ليس أمراً جديداً، فكلنا مررنا بنفس السيناريو. فبمجرد أن تبحث عن موضوع معين على يوتيوب، سوف تتنبه الخوارزميات لذلك وستغرق في الكثير من الاقتراحات التي تصب في نفس الموضوع.
بعد أن قضيت بضعة أيام في مشاهدة العديد من نزالات مورتال كومبات، تحولت لما يشبه “الخبير الكذاب”، أحلل ومع المحللين وأعجب بردات الفعل، والهجمات المضادة، وهو أمر لم يكن يخطر ببالي قبل أسبوع.
حين لاحظت التغير البسيط في اهتمامي تذكرت مقالة نشرت على صحيفة النيويورك تايمز قرأتها قبل مدة. في هذه المقالة تم وصف يوتيوب بأنه محرك لصناعة “التعصب”، ولا أقصد هنا التعصب لفكر أو دين، بل التعصب لأي شيء حتى لو كان غريبا مثل نظرية “الأرض المسطحة”.
يعيب البعض خوارزميات يوتيوب أنها تعزز وتزيع قناعاتك لفكرة لدرجة قد تجعلك متعصباً. فبينما كنت أكتب هذه المقالة قررت أن أبحث في يوتيوب عن “أهداف فريق الفلاني”، خلال دقائق بدأ يوتيوب بعرض المزيد من أهداف هذا الفريق مع التركيز على حالات الفوز.
كما اقترح علي يوتيوب مقابلات مع لاعبي ومدراء الفريق، والتي تظهرهم بشكل إيجابي. كل هذا سيعزز من قناعاتي أو يدفعني على الأقل للإعتقاد بأن هذا الفريق هو أفضل فريق في الدوري ولو حضرت نقاشات متعصبي الكرة لوجدت يستشهدون بمقاطع الفيديو عبر يوتيوب للاستدلال على تفوقهم، وسيقدم يوتيوب لكل منهم مايلزم لمواصلة الحوار والجدل دون نتيجة.
لو قسنا تجربتي الشخصية – وهي ليست علمية – على أمور مثل الصحة، والعلم، فإن البحث عن شيء حتى لو كان خطأً سيقود الناس إلى الغرق في مستنقع من المعلومات الخاطئة، فقبل يومين حاول أحد أصدقائي أن يثبت لي أن الأرض مسطحة، وأن كل المعلومات الموجودة ماهي إلا كذب تزييف. وأغلب ما استند عليه هو مقاطع يوتيوب، ومهما حاولت أن أجادله بالمنطق والعلم إلا أن النقاش تحول إلى نوع من الجدل البيزنطي.
بدل أن تصبح التقنية مساعداً لنا على محاربة الجهل والمعلومات المغلوطة أسهمت الخوارزميات التي تهدف لتحقيق أعلى مردود مالي في تعميق الاختلافات والجدالات التي لا طائل منها، وفي أسوء الأحوال ستخلق متعصباً لفكرة معينة قد تضر الآخرين.
خوارزميات تعدل من سلوكنا
هناك جانب آخر للخوارزميات وتأثيرها على سلوك الإنسان تسببت به الشبكات الاجتماعية. فقد أعطتنا هذه المنصات وهماً بأن هناك من يهتم بنا، وأصبحت أسارير الوجه تنفرج في كل مرة نرى فيها أرقام “اللايك” أو “الريتويت” تتصاعد على شيء كتبناه ونشرناه.
لأن الخوارزميات تميل إلى إظهار المحتوى الذي حصل على أكبر قدر من التفاعل، فسينتج عن ذلك برمجة خفية لتفكيرنا وطريقة تعاملنا مع الشبكات الاجتماعية. ولأننا نرغب في الحصول على أكبر قدر من التفاعل – ظناً منا أن من يتفاعلون يهتمون بنا أصلاً – فإننا نقوم بكاتبة ونشر نسخ معدلة من محتوىً سابق، محاولة منا الحصول على أكبر قدر “اللايكات” و “الريتويت”.
هذا الشيء يتنافى مع فكرة الشبكات الاجتماعية التي تريد أن تكون مرآة رقمية لحياتنا وتوجد طرق تواصل أسرع مع من نحب.
بدل كل ذلك أصبحنا ننشر ما نعتقد أنه سيعجب الناس، وذلك لأن الخوارزميات تروج لهذا النوع من النشر، ولهذا السبب سوف ترى الكثير من الناس تنشئ قنوات يوتيوب “مقالب” او “فلوجات” لأن الخوارزميات تظهر أن هذا هو المحتوى المرغوب.
وسترى الناس تنشر مقولات وصور وفيديوهات مؤثرة على تويتر وفيسبوك، وهذا الشيء لا ينبع من رغبتهم في نشر الوعي أو المعرفة والحكمة، بل لأنه رؤوا أن التفاعل يأتي من نشر هذا النوع من المحتوى – حتى لو كان مكرراً. لذلك لا تعجب لو شاهدت صديقك ينشر أموراً لا تتناسب مع شخصيته، فالأرقام والخوارزميات أصبحت تحكم تصرفاتنا على الإنترنت لأن الكل يرغب في الحصول على جمهور حتى ولو لبضع دقائق.
تغير سلوكي؟
لا زلنا في لا نفهم تأثير الخوارزميات الكامل على أوجه كثيرة من حياتنا. وتظن أنني أتحدث عن الشبكات الاجتماعية ويوتيوب فقط. فساعة أبل التي تلبسها في يدك سوف تخبرك متى يفترض أن تقف وتتحرك، وستراقب حالتك الصحية، ولو كنت متوتراً ستطلب منك الساعة أن تأخذ من وقتك دقيقة للتنفس ببطء، وهذه المعلومات التي تصلك عبر الساعة لها أثرها على سلوكك.
توجد الكثير من الأمثلة التي نستطيع التحدث عنها، لكن تغلغل الخوارزميات الذكية في حياتنا مازال في بدايته، كما أن تنوع الشركات التي تقدم أنوع مختلفة من الخوارزميات، مثل تلك التي تتعلق بالتسلية (يوتيوب – فيسبوك – تويتر) أو التي تتعلق بالصحة (ساعات أبل وجوجل) أو تلك التي تخبرك بسلوك طريق معين من أجل الوصول إلى المنزل (خرائط جوجل)، هذا التنوع يصعب علينا حصر التأثير في خوارزمية واحدة.
نحتاج وقتاً قبل أن يصل تأثير هذه الخوارزميات للمرحلة التي تحكم سلوكنا اليومي، لكننا سنصل لمرحلة يصبح جل اعتمادنا على خوارزميات تخبرنا ماذا نشاهد؟ وكيف نتحرك؟ وأين نذهب؟ وما خفي أعظم، ووقتها هل نستطيع أن نقول أننا نمتلك إرادة حرة؟
حقوق الصور:
*Human by Tomacon from the Noun Project
*humanoid by ProSymbols from the Noun Project
التدوينة هل تبرمجنا الخوارزميات؟ ظهرت أولاً على عالم التقنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق