صادفت الكثير من معلمي اللغة الإنجليزية الذين نتعلم على أيدهم -عبر بعض المنصات التعليمية الرقمية- ممن يسكنون خارج أوطانهم، قد يكون الواحد منهم من أمريكا ويسكن في تايلاند أو في جزيرة من جزر أندونسيا، لقد وفر لهم التدريس عن بعد الحرية في تغيير أماكن سكنهم، والهروب من أسلوب الحياة المكلف في أمريكا والانتقال إلى بلدان أجمل وأرخص في هذا العالم.
قديماً سافر الإنسان من مكان إلى مكان، بحثاً عن العشب والماء، ولازال الإنسان الحديث يهاجر ويترك الأوطان بحثاً عن الرزق، أما حين يكون الرزق متعلق بشبكة واي فاي وجهاز حاسوب صغير، حينها يتغير مفهوم الهجرة، سيتغر الغرض الرئيسي للترحال والانتقال، وبدلاً من أن ينتقل سكان الدول الفقيرة إلى تلك الغنية، سيحدث العكس، سيبحث الفرد الأمريكي أو الأوربي عن تلك البدان النامية والفقيرة، التي يمكن للإنسان فيها أن يأكل ويشرب طيلة أيام الشهر بـ 200 دولار أو أقل، فيهاجر إليها.
نحن لا نتحدث عن توقعات مستقبلية، إنما هو أمر واقع نعيش ونتعامل معه، صحيح أنه غير منتشر بعد، لكنه موجود، الهجرة أصبحت عكسية لأرباب الأعمال الحرة، كما أنها أصبحت عكسية فيما يخص المدن الكبيرة، فلم يعد أصحاب الأعمال الحرة ممن يترك قريته ويهاجر إلى المدينة ليبني نفسه ويسلك دروب النجاح، بل أصبح يهرب منها ويبحث عن الهدوء والسكينة، وقد يعود إلى قريته التي رحل منها في بداية مشواره.
مشكلة التكدس السكاني
في الحارة المجاورة في المدينة التي أسكن فيها، تم هدم منزلين صغيرين، بينهما شارع لا يتجاوز الخمسة أمتار، هو زقاق أكثر من كونه شارعاً، لم يكن في ذلك بأس كون المنازل هنا كانت تبني من طابقين وثلاثة طوابق، أما الآن فلم يعد من تلك المنازل القديمة إلا القليل، لقد هُدِم المنزلان وبني مكانهما برجين عاليين من عشرين طابقاً، لم يعد هنالك متنفس للهواء أو الحياة الصحية، المدن الرئيسية تتكدس أكثر وأكثر، رغم أن الدنيا مفتوحة للإنسان وتنتظره بلهفة وشوق كي يعمرها ويسكنها.
لم يعد إنسان العصر الحديث مضطراً للتكدس في المدن المزدحمه بسبب أسلوب العمل الحر، يمكنه السكن في المدن والتجمعات السكنية الصغيرة التي توفر له المتطلبات الأساسية، والأهم من ذلك، الهدوء والسكينة، أو ربما يفضل السكن في قريته الهادئة، وحتى إن لم تتوفر خدمات الكهرباء والإنترنت، أصبح بالإمكان الاستفادة من الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء واستخدام الأقمار الصناعية للتوصيل بالإنترنت.
ألا ترى معي عزيزي القارئ أن هذا الأسلوب الجديد من العمل سيحل مشكلة كبرى نعاني منها، سيعيد توزيع السكان بشكل أفضل على سطح الكرة الأرضية، أنا أرى ذلك بوضوح، وأعرف عدة نماذج ممن سلكوا هذا الطريق وبرعوا فيه ثم فضلوا أن يتركوا تلك المدن وأن يبحثوا عن الحياة الهادئة بعيداً عن الضجيج والتلوث، ومن تبقى منهم تراوده نفسه للهجرة ثم الاستقرار في مكان آخر في هذا العالم.
آفاق العمل الحر
قد يعتقد البعض ان العمل الحر يقتصر على بعض المجالات بشكل محدود، مثل التصميم والكتابة والترجمة، لا يصلح لكل إنسان، نعم صحيح ليس للجميع، لكن آفاقه واسعة، وهي تتوسع يوماً بعد يوم، فعلى سبيل المثال يمكن لأي شخص في أي مهنة أن يقدم خدمات تعليمية مدفوعة عبر الانترنت، سواءً عبر منصة Udemy أو حتى فيديوهات تعليمية عبر اليوتيوب ويكسب منها بعض الدولارات عبر الإعلانات.
فعلى سبيل المثال: ينشر المهندس عبدالغني الجند كل يوم فيديوهات حول هندسة البناء من واقع عمله وقد أصبح لديه قرابة السبعين ألف مشترك في قناته، فهو ليس كاتباً أو مترجماً يمكن أن يعمل عن بعد عبر الانترنت، لكن ببساطه يمكن أن يشارك خبرته ويكسب بعض المال عبر اعلانات اليوتيوب.
يمكن أن يتطور الأمر ويصنع الشخص المحترف في مجاله دورات وخدمات تعليمية عن بعد، أو حتى كتب تبيع نفسها بنفسها عبر منصات التجارة الإلكترونية، فيصبح لديه مصدر دخلي مستمر يحتاج منه رعاية واهتمام عن بعد.
هنالك الكثير من الطرق للعمل وكسب المال عبر الانترنت، يمكن ببساطة البدء في أحد مسارات خطط الثراء الرقمية وبناء عمل يدر عليك بالمال وتتفرغ للعمل فيه عبر الانترنت، ثم تهاجر وتساهم في الحفاظ على البيئة، عبر العودة للطبيعة والتقليل من الإزدحام السكاني في المدن الرئيسية، وحينها يمكنك زراعة بعض مما تأكل وتربية بعض الحيوانات والبدء في أسلوب حياة أفضل مع الاستمرار في إدارة أعمالك وأصولك الرقمية.
التدوينة العمل الحر وهجرة الإنسان المعاصر ظهرت أولاً على عالم التقنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق