لا يكاد أن يمر يوم أو يومين دون أن تسمع شخص يتحدث عن التسويق بالمحتوى، أو مقال جديد ينشر عنه. فالأمر يتطور سريعاً كلما تقدمت التقنية بخطوات. إذ يعتبر حالياً من إستراتيجيات التسويق الأساسية، ويصل حجم سوقه بالمليارات، ووفقاً لشركة IDC أن حجم سوق التسويق بالمحتوى قد يصل إلى 32.3 مليار بعد سنتين.
وتعرف شركة الابحاث غارتنر Gartner التسويق بالمحتوى بالعمليات والممارسات لإنشاء النصوص والفيديو والصور والرسومات والكتب الإلكترونية وتوزيعها من خلال نظام إدارة المحتوي وشبكات التواصل الاجتماعي.
حسناً .. الآن دعونا نعود للماضي ونتذكر كيف كان يتم بناء العلامات التجارية في أذهان الجمهور. طبعاً سنجد أن الثورة الصناعية في القرن الثامن والتاسع عشر حفزت قطاعات كثيرة، من أهمها قطاعي التسويق والإعلام، بالإضافة إلى انتشار الآلاف المنتجات في الأسواق، فكانت العلامات التجارية عامل مهم لتمييز تلك المنتجات، وكان الإعلام الأداه الأفضل لبناء الماركة. ثم تطور الأمر كثيراً في بناء الماركات، وانفتحت شهية مختصين التسويق فغزوا قاعات السينما والبرامج التلفزيونية من أجل ترسيخ صورة العلامة التجارية.
في عصر الشبكات الإجتماعية والإنترنت أصبح العالم صغير جداً، ويمكنك الآن التعرف على ثقافات مختلفة في بلدان بعيدة كل البعد بضغطة زر!. أو بمعنى آخر، ارتبطت الثقافات ببعضها وأصبح لدى الجمهور حرية أكثر في الأختيار، وأصبح الفرد هو من ينتج المحتوى لجماهيره ومتابعيه بنفسه، وهذا يعطينا مؤشر أن العلامات التجارية قد لا تستطيع منافسة الأفراد في التسويق بالمحتوى، ونلاحظ ذلك من مشاهير وموثرين في الشبكات الإجتماعية حققوا نجاحات كبيرة بالمجان وهم في منازلهم، بينما الشركات ترصد مبالغ طائله على عملية التسويق بالمحتوى وفي نهاية المطاف تكون النتائج مخيبه للآمال.
فبناء العلامة التجارية يحتاج إلى جهد كبير، ولا يمكن للخبراء شراء الشهرة بسهولة، لكن عندما ظهر الإنترنت والشبكات الاجتماعية أصبح ذلك ممكناً.
في الماضي كان أول ما يتبادر في ذهن المستهلك عندما يسمع العلامة التجارية هي مكوناتها، مثل الأسم والشعار واللون. والآن الشركات لا تستطيع أن تجعل هذه العناصر تمثلها في عالم الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي، فكان محتوى العلامة التجارية هو الوسيلة الأفضل لتمثيلها في العصر الرقمي. وتكون المعادلة هي أن أول ما يتبادر في ذهن المستهلك عن العلامة التجارية هو محتواها، وليس خصائصها. فالمحتوى أصبح أداة قوية لوصف العلامة التجارية.
هناك جدل كثير يدور عن تعريف محتوى العلامة التجارية، كما أنه يوجد مصطلحين بالنسبة لمحتوى العلامة التجارية، وهما Branded Content و Brand Content، فلو ذهبنا إلى ويكيبيديا وبحثنا عن تعريف Branded Content سنجد أنه شكل من أشكال الأعلان، وهناك مختصين انتقدوا هذا التعريف، حتى أن مؤسس معهد التسويق بالمحتوى CMI جو بولزي Joe Pulizzi دعى للتخلى عن مصطلح Branded Content واعتماد المصطلح الثاني. ويرجح بعض المختصين أن محتوى العلامة التجارية هو امتداد لمفهو التسويق التلفزيوني Television Marketing وذلك عندما بدأت الماركات التجارية الكبرى في رعاية المسلسلات التلفزيونية في بداية عام 1930، وتطور هذا المفهوم بدأ في العصر الرقمي وتحديداً مع ظهور قنوات التواصل الإجتماعي.
كما تشير إحصائية من جامعة أكسفورد بروكس Oxford Brookes أن حجم سوق هذا النوع من المحتوى في العالم وصل إلى أربعة مليار دولار .. عموماً يتضح لنا أن محتوى العلامة التجارية ينص تعريفه على أنه “المحتوى الذي يهدف إلى تعزيز معنى العلامة التجارية في ذهن الجمهور “. أي يكون تركيز المحتوى للعلامة التجارية فقط، وليس البيع. فمؤلف كتاب Art of Social Media كاواسكي يقول: “لا تبيع مني منتج، بل علمني ماذا تبيع” ونستنتج من هذه العبارة أن أي محتوى تسويقي يهدف إلى تثقيف الجمهور بالمنتج أو الخدمة ثم إقناعهم بالشراء، بينما محتوى العلامة التجارية يخدم وظيفة معينة وتختلف أهدافه كلياً، فهو يدعم حاجة الشركة لغرس قيم جيدة في المجتمع، ويساعد في تطوير العلاقة بين الشركة وعملائها، ويبرر رعايتك وأهتمامك لجمهورك المستهدف.
قبل أن نشرع في شرح طريقتين للعمل على محتوى العلامة التجارية نستطرد العلاقة بين الثقافة والعلامة التجارية، فهناك مثل يقول أن العلامة التجارية الناجحة هي التي تختزل الثقافة، وهذا صحيح، وهناك تعريف آخر يفيد أن العلامة التجارية عبارة عن مجموعة من التقنيات المصممة لتوليد أهمية ثقافية. فعندما يرتبط المحتوى بثقافة الجمهور؛ فأنه يحقق نجاح باهر، فالشركات الكبرى تنظم جهودها التسويقية على أنها نقيض من عوالم الفن والثقافة لدى جمهورها، ونرى التسابق في توظيف المغنين المشهورين على اليوتيوب، ورسامي الكاركاتير، والمصممين، وغيرهم من المشاهير الذين يرتبطون ويؤثرون في ثقافة مجتمعهم.
هؤلاء أدوات ناعمة تمنح العلامة التجارية ضوء أخضر لإختزال الثقافة والدخول في أعماق جمهورها، وهذا يؤكد حاجة الشركة الي كتّاب ماهرين يستطيعون ربط ثقافة المجتمع بالعلامة التجارية، فالكاتب لا يقل أهمية عن المحتوي نفسه، ثم تترجم تلك النصوص إلى وسائل آخري مثل الفيديو أو الصور أو الإنفوجرافيك، وينشر على الشبكات الاجتماعية. فالأهم هو إنتاج محتوى قادر على جذب الإنتباه، أو بالأحرى، فأنت بحاجة إلى ابتكار ثقافي.
والآن .. أكثر الطرق والأساليب شيوعاً في إنتاج محتوى العلامة التجارية هي والكوميديا والتعليم، فأغلب الشركات تستثمر في هذين المجالين، والأمثلة كثيرة، لكن دعونا نأخذها بتفصيل بسيط:
* الأول هو الترفية والكوميديا: لا يوجد أجمل من علامة تجارية تضيف لك سعادة في حياتك، وتكون قادرة على اضاحكك. فعلى سبيل المثال، لو قمت بجولة في حسابات شركة ريد بول Red Bull على الشبكات الاجتماعية؛ ستجد أن الشركة تحولت إلى مركز لإنتاج الوسائط الظريفة والمضحكة، ولا عجب في ذلك، فالشركة تنفق 2 مليار دولار سنوياً كميزانية تسويقية، وأكثرها يذهب إلى الإستثمار في محتوى العلامة التجارية، والهدف هو بناء محتوى قادر على وضع صورة لعلامتها التجارية في ذهن الجمهور.
أما في المجال القصصي فنتذكر إستراتيجية كوكاكولا في المحتوى عندما أعلنت أنها ستنتج المحتوى الأكثر طلباً وإلحاحاً في العالم، وتحول موقعها الجامد إلى مجلة رقمية بأسم Coca-Cola Journey وتستعرض فيه قصص من الرياضة والإستدامة إلى آخره. وكذلك مع مخرجين الأفلام، فهم يملكون مهارة تسعد بها المشاهد، وهذا يبرر لنا فعل شركة بي إم دبيليو في توظيف صانعي الأفلام، فهي تعتبر أيضاً رائدة في إنتاج الأفلام القصيرة على الإنترنت، وأشهر أفلامها هي سلسلة أفلام The Hire للبطل كلايف أوين Clive Owen.
فالعلامات التجارية تتجه لوسائل الترفية، وتوظف المشاهير المؤثرين في هذا المجال، فالالعاب والكوميديا وسيلة رائعة لبناء الماركة، والأهم هو أن يكون للمحتوى إيقاع يسمعه الجمهور ويحقق التفاعل، فبدون التفاعل تعتبر العلامة التجارية في حاله ثبات وليس لها فائدة في حياة جمهورها. وأيضاً الإستجابات لردود فعل المجتمع بطريقة فكاهية تشجع الماركة، وكلنا نتذكر هاشتاق #حوش_عبدالله_السبيل وكيف استفادت منه وقت اللياقة لتظهر المرح للجمهور.
* الثاني هو التعليم: فالتعليم هو أساس نهضة أي أمه، والحكومات تبذل جهودها في الرقي بالتعليم وتوفيره بجودة عالية لجميع شرائح المجتمع، لكن الأجمل من ذلك هو مبادرة القطاع الخاص في تعليم جمهورها. علي سبيل المثال، في عام 2013 قامت شركة ماكدونالدز بإنتاج تسعة مليون كتاب يضاف ويوزع مع وجبات الأطفال بدلاً من الألعاب الصغيرة، وبذلك أصبحت ماكدونالدز أكبر موزع لكتب الأطفال في بريطانيا، لكن هذا لا يهمنا، بل يهمنا الهدف من ذلك وهو إضافة صورة تربوية للعلامة التجارية!.
لنأخذ مثال أخر، لو كنت من عشاق قراءة مدونات التسويق وسألتك عن هوبسبوت Hubspot؛ فأن أول ما يتبادر في ذهنك هو المحتوى التعليمي والكتب الإلكترونية والمقالات وغيرها، وهي شركة متخصصة في البرمجيات والتسويق الرقمي، لكن تستثمر بكثافة في إنتاج المحتوى الذي يهدف إلى تعليم وتثقيف الجمهور. ويمكن لهذا النوع من المحتوى أن يلعب دوراً هاماً في ترسيخ العلامة التجارية، وغالباً هذا المحتوى أن لا يشمل المقالات الأخبارية أو الأرقام، لأنها ستنتهي صلاحيتها بمجرد ظهور أرقام واخبار جديدة، وتصبح بالية بعد فترة وجيزة، حتى أنه تم تسميه هذا النوع من المحتويات بـ Evergreen Content أي المحتوى الأخضر، ويقصد به الإستدامه، والمحتوى الذي يبقى مفيد للقراءة.
- خلاصة القول .. محتوى العلامة التجارية يعمل بشكل جيد إذا كانت لديك رؤية واضحة كوضوح الشمس، فقط يحتاج استيعاب قيم العلامة التجارية.المراجع:
- Branding in the age of social media https://goo.gl/QoRAbJ
- Branded content marketing PDF http://goo.gl/0pRQPl
- Can we please stop using branded content? http://wp.me/p39tZN-efI
- Principles for branding your company with content http://entm.ag/1MDc0x4
- 5 Branded content campaigns you need to know http://goo.gl/MxBtRh
بقلم: سامي بخيت
التدوينة محتوى العلامة التجارية الرقمية ظهرت أولاً على عالم التقنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق