مررت قبل أيام على مقالة تنتقد سماعات أبل Airpods، لكنها لم تكن تنتقد أدائها او شكلها، بل تنتقد مصيرها المحتوم. وهو مصير تشترك فيه أغلب الإلكترونيات الحديثة.
فعمر سماعات أبل لن يتجاوز 3 سنوات كحد أقصى، وذلك بسبب البطاريات التي يستمر ادائها في الانحدار إلى أن تصل مرحلة تفقد فيها الشحن بسرعة يجعلها غير عملية. وهذا الشيء سيجبرك على العودة إلى السماعات السلكية، أو شراء سماعات جديدة، لتعيد نفس السيناريو السابق بعد 3 سنوات اخرى.
تعودنا أن الالكترونيات التي تستخدم بطاريات قابلة للشحن، والتي لا تستطيع استبدالها، أن يوماً ما سيأتي وتتوقف هذه الأجهزة عن العمل، ومهما حاولت أن تحافظ على جهازك القيم الذي دفعت فيه “دم قلبك” (وهذا على افتراض أنك من الطبقة الكادحة مثلي) فسوف يتوقف الجهاز فيها عن العمل، ليس لخلل مصنعي، بل لأن البطارية توقفت عن الشحن وأصبحت تنتهي خلال دقائق معدودة.
أحد أسباب هذه المشكلة هو أن عدم وجود قفزة كبيرة في عالم البطاريات القابلة للشحن. وكل سمعناه وقرأناه خلال السنوات الماضية عن قفزات كبيرة أو تطور تقني في عالم البطاريات، هو مجرد بيان صحفي. فلم نلحظ أي تطورِِ على أرض الواقع، وقد يكون ذلك بسبب التكلفة العالية، أو لأن التقنيات المعلن عنها لم تصل مرحلة النضوج التي تسمح بإنتاجها بكميات تجارية. ولذلك يستمر اعتمادنا على بطاريات الليثيوم التي خرجت إلى الوجود في بداية التسعينات، أي أننا نستخدم تقنية تجاوز عمرها العشرين سنة دون أي تطور.
عمر بطاريات الليثوم ليس السبب الوحيد في هذه المشكلة الحديثة
لو كنت ممن عاصروا ظهور النقال، وقد تتذكر أن بطاريات الهواتف النقالة كانت قابلة للإزالة. سمح لنا هذا الشيء بالاحتفاظ بهواتفنا لفترة أطول، لأننا لو واجهنا مشكلة في البطارية، أو قمنا باستهلاكها خلال سنتين، فكل ماعلينا فعله هو شراء بطارية “أصلية” جديدة، وبهذا نستمر في استخدام هواتفنا لسنوات أطول. وأذكر أن أحد أقربائي استمر في استخدام هاتف نوكيا 3310 لما بعد 2010 واستبدله حين لم يتمكن من العثور على بطارية جديدة.
كما غير الأيفون كل شيء (أو هكذا يدعي محبوا أبل) فقد جاء الجهاز ببطارية غير قابلة للإزالة، وقاموا بتبرير هذا الشيء بأنه يسمح لهم بتصميم بطاريات أفضل، وإدارة الطاقة بشكل موفر. ولم يقم مصنعوا الهواتف الذكية في البداية باتباع خطى أبل، وكانت جوالات سامسونج جالاكسي الأولى تأتي ببطارية قابلة للإزالة إلى أن تغير هذا الشيء مع صدور الجالاكسي إس 6، ثم اصبح هذا الشيء من سيم الهواتف الذكية الجديدة.
لا أريد أن أكون من الموسوسين الذين يريدون أن يقنعوا الآخرين بأن هذه الخطوة مجرد خدعة من الشركات لتجبرنا على شراء هواتف جديدة كل 3 إلى 5 سنوات. فالبعض قد يبرر أنك تستطيع استبدال بطارية هاتفك عبر الذهاب إلى أحد الوكلاء المعتمدين لأجل تغييرها، ولكن في الكثير من الأحيان قد نجد أن الوكيل لا يوفر قطع غيار للهواتف القديمة، ولو لجأنا إلى شراء بطاريات من الانترنت، فإن أغلب ما نعثر عليه يكون تجارياً أو مقلداً قد يتسبب في مصيبة مثل حريق أو انفجار، كما أن عملية تغيير البطارية تحتاج إلى عملية فك معقدة على غالبية الناس.
أحد الأفكار التي تخطر ببالي هو الخروج بمعيار موحد لأشكال البطاريات للهواتف الذكية. هذا يعني أن على مصنعي الهواتف الذكية أن يتفقوا على عدة أشكال لبطاريات هواتفهم، وربما يصممون هواتفهم لجعل عملية التبديل أسهل على الناس. هذه فكرة قد تلقى بعض المعارضة، بحجة أن هذا الشيء سيشكل قيوداً على عملية التصميم والابداع، ولكنني حين بحثت عن صور بطاريات الأيفون والجالاكسي، وجدت قرباً في الشكل ممايعني أنه بالإمكان الخروج بتصميم موحد لبعض البطاريات، لكن بودي أن أعرف إذا كان بالإمكان الحفاظ على شكل البطارية مع زيادة قدرتها الاستيعابية أم لا؟
لننظر إلى الماضي قليلاً
لو كنت تمتلك أحد مسجلات سوني ووكمان (Walkman) التي صدرت منذ أكثر من ثلاثين سنة، وكان الجهاز بحالة ممتازة، فكل ماتحتاجه هو بطاريات قياسية من نوع AA التي تباع في البقالة، وشريط كاسيت قديم وسوف تعيش تقنية الماضي بدون أي مشاكل، كما أنك تستطيع استخدام سماعاتك السلكية عليه أيضاً.
لن تستطيع أن تكرر نفس السناريو مع أحد هواتف نوكيا القديمة التي كنت تمتلكها أيام الصبا، فالأغلب أن بطارية الهاتف قد ماتت، أو أنها أصبحت سيئة لدرجة أنك لا تستطيع أن تستخدم الهاتف لأكثر من نصف ساعة.
الفرق بين السيناريوهين المذكورين، هو أن الأول يستخدم بطارية قياسية متفق عليها عالمياً وتم اختراعها منذ أكثر من مائة عام، في حين أن الثاني يعتمد على استمرار شركة نوكيا في اصدار البطاريات لهواتفها، وهو هو مالم يحدث، وحتى لو استمرت نوكيا في صناعة البطاريات لعشرين سنة، فمن يضمن أن تستمر في تصنيعها للعشرين سنة القادمة؟
أدرك أنه من الصعب تطبيق فكرة معايير موحدة لكل المنتجات الالكترونية الحديثة، فمن الصعب أن نخرج بمعيار لسماعات أبل في الوقت الحالي لأن هذا السوق مازال في بدايته، لكن سوق الهواتف الذكية وصل مرحلة من النضج والنمو يسهل على مصنعي الهواتف الذكية الخروج بمعايير موحدة للبطاريات، خصوصاً أن مواصفات الهواتف الذكية أصبحت قوية بحيث ولا نحتاج إلى تغيير هواتفنا باستمرار.
التدوينة معضلة الهواتف الذكية والبطاريات ظهرت أولاً على عالم التقنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق