يخطئ من يظن بأن قرارات حكومة الولايات المتحدة الامريكية الأخيرة الموجهة ضد شركة هواوي الصينية تمثل سابقة من نوعها في تاريخ الصراعات القانونية التي واجهتها شركات التقنية في العالم على مدار السنوات الماضية، بل ولا تعد تلك القرارات أيضا سابقة في تاريخ الصراعات القانونية والتشريعية بين الشركات التقنية الأمريكية والصينية. لكن هذا لا ينفي بأن تلك القرارات الأخيرة ربما تمثل ذروة تلك المعاناة أو تلك اللحظة الفاصلة التي بدأ الجميع فيها – في سوق التقنية – يدرك حجم المعاناة المنتظرة من الإصطدام بالقوانين والتشريعات.
سنشرح أولا باختصار الأسباب التي وضعت هواوي الصينية في موقفها الحالي الذي يجعلها محظورة كليا من التعامل مع الشركات والسوق الأمريكية سواء بالبيع والشراء أو بالتعاون والتعاقدات مع الشركات الأمريكية. يرجع تاريخ القرار الأخير إلى ما يزيد عن عام كامل وتحديدا خلال الفترة التي تزايدت فيها حدة المعركة التجارية بين الولايات المتحدة والصين متمثلة في تصعيد متبادل فيما يتعلق بالتعرفة الجمركية للمنتجات المتبادلة بين الدولتين. خلال تلك الفترة، تصاعدت وجهات نظر تنتمي بعضها الى جهات أمنية أمريكية تتهم بها الشركة الصينية ببيع منتجات في فئة الشبكات اللاسلكية في السوق الأمريكية تحمل مخاطر أمنية وأبواب خلفية تسمح للحكومة الصينية بالتجسس على تلك الشبكات عن بعد، وعلى الرغم من النفي المستمر من جانب هواوي لتلك المزاعم الأمريكية، إلا أن الأمر إزداد حدة بعد اطلاق هواوي لمنتجاتها لشبكات الجيل الخامس للهواتف المحمولة.
دعونا نتجاوز ذلك ونعود سريعا بالزمن إلى الخلف، ونبقى في الحيز ذاته الخاص بالسوق الصينية التي لطالما سببت للشركات الأمريكية متاعب قانونية عديدة هي الأخرى كان آخرها حظر الحكومة الصينية بيع كافة هواتف آي فون في الصين باستثناء الجيل الأخير بعد أن تقدمت كوالكوم بشكوى لاحدى المحاكم الصينية تتعلق ببعض حقوق الملكية الفكرية التي استخدمتها أبل في هواتف آي فون.
ولم تكن تلك المتاعب الوحيدة التي واجهتها أبل في الصين على مدار السنوات القليلة الماضية، فقد كانت هواتف آي فون دوما معنية بالكثير من التشريعات الخاصة التي تجعل طرح تلك الهواتف في السوق الصينية في نهاية المطاف أكثر تكلفة وصعوبة من بينها منع خدمة Facetime واجبار الشركة على طرح اصدارة خاصة من الهاتف تحمل بطاقتي SIM نظرا لعدم التوجه لدعم بطاقات eSIM في الصين.
عانت شركات أمريكية أخرى عديدة من تشريعات وقوانين ومشاكل قانونية متعددة في الصين من قبل من بينها جوجل والتي تم حجب أكثر خدماتها ربحية وأوسعها انتشارا، خدمة البحث في عام 2020 وخدمة يوتيوب في عام 2009، في الصين لاسباب تتعلق بعدم التزام الشركة بما تريد الصين فرضه من فلترة لنتائج البحث ومقاطع الفيديو التي لا تتوافق مع سياسات الحكومة الصينية أو تلك التي تضعها في مواقف حرجة، وفي العام 2012 حجبت الصين كافة خدمات جوجل قاطبة لأسباب مماثلة.
إذا كنت لم تسمع من قبل بهذا التاريخ الحافل بالمتاعب بين الشركات التقنية الامريكية والصينية بسبب التشريعات والقوانين التي تفرضها حكومات البلدين بين الحين والآخر فربما تتسائل، لماذا أثار ذلك القرار الأخيرتلك الضجة الهائلة ؟ أو بمعنى أدق، لماذا تهتم أنت كمستخدم بالقرار هذة المرة وتبحث عن تطوراته ؟
تكمن الإجابة ببساطة في أن تلك القرارات والتشريعات كانت دائما نابعة بدرجة ما من محركات تتعلق بالاقتصاد، فالحكومة الصينية تتحكم بالشركات الأمريكية التي تسعى جاهدة للاستفادة ماديا من السوق الصينية الضخمة، والولايات المتحدة هي الأخرى تحاول تحقيق أفضل استفادة اقتصادية ممكنة من الشركات الصينية التي دائما ما تمتلك ميزة تنافسية تتعلق بسعر منتجاتها. هذة المرة فقط، انتقل الصراع من السوق الأمريكية والصينية الى العالم كاملا نظرا للانتشار الهائل لهواتف هواوي ونظام أندرويد واقتراب هذا الفريق الناجح من التربع على عرض سوق الهواتف الذكية في العالم، وهو ما يعني أن المستخدمين في كل مكان في العالم سيتأثرون بنتائج الصراع هذة المرة.
التدوينة التقنية والقانون: هل آن الأوان لتتجرع التقنية طعم هذا المزيج المُر ؟ ظهرت أولاً على عالم التقنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق